Wednesday, October 1, 2014

رسالة داعش والإسلام


إلى كل من يؤمن برسالة داعش،
دعى خليفة "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي أتباعه في أول خطاب له إلى تقوى الله "إن أردتم موعود الله فاتقوا الله وأطيعوه، إتقوا الله العظيم في كل أمر وعلى كل حال والتزموا الحق وتمسكوا به" لكنه نسي أن يذكرهم بأن العفو والعدل هما السبيل إلى التقوى وليس الإرهاب والقتل «وأن تعفوا أقرب للتقوى» (البقرة: 237)، «اعدلوا هو أقرب للتقوى» (المائدة: 8).
فالتقوى تكرم الإنسان «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» وتيسر أموره «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً» وتدخله الجنة «إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جنات النَّعِيمِ»، لكن قتل الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين لا علاقة له بتقوى الله وسماحة الإسلام ودعوته للرحمة ونبذ العنف. كيف يجرؤ من يتقي الله على قطع رقاب الأبرياء من الصحافيين وغيرهم وهو يقرأ قوله تعالى «ولا تزر وازرة وزر أخرى». والله إن المرء يحار وهو يشاهد مقاطع الفيديو التي تنشر لقطع رؤوس المسلمين وغيرهم والتنكيل بجثثهم في سوريا والعراق تحت هتافات الله أكبر. ألا يخاف من يقوم بهذه الأعمال من عذاب الله والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله يعذِّب الَّذين يُعذِّبونَ النَّاس في الدُّنيا».
مساكين هم من يظنون أنهم بقطع الرؤوس يجاهدون وأنهم بالجنة فائزون وبالحور والعين مستمتعون، بل هم كما أخبر الله عز وجل في جهنم خالدون ولعذابه ذائقون «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً». فالمؤمن لا يقتل مؤمنا إلا خطأ كما علمنا الله عز وجل «وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ» لأنه يعي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار. فقيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه».
من يحسب أنه يحسن صنعا بقتل من يقول لا إله إلا الله عليه أن يراجع فهمه للإسلام ويتعلم من السنة النبوية، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: «بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري عنه فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!) قلت كان متعوذا فما زال يكررها، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم».  

لذا على المسلمين أن يجتنبوا قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ويتذكروا قوله تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» وليس فقط للمسلمين. ديننا دين رحمة للجميع، والله عز وجل يرحم عباده الرحماء كما أخبرنا الحبيب المصطفى «إنما يرحم الله من عباده الرحماء»، ومن يرحم من في الأرض يرحمه من في السماء كما قال عليه أزكى الصلاة والسلام «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، وديننا دين سلام ولم ينتشر بقطع الرقاب وذبح الأبرياء، بل وصل إلى اندونيسيا أكبر دولة إسلامية والصين والهند وإفريقيا وأمريكا بالأخلاق وحسن المعاملة والرحمة والحوار والصلح. قوتنا في أخلاقنا ومدى كسب حب الآخرين لنا وليس بضرب رقابهم، فضرب رقاب المسلمين كفر كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض». والله لن يخشع قلب بإراقة الدماء، ولن يحل نزاع بالقتل واستعمال العنف، بل بجهاد الفكر «وجاهدهم به جهادا كبيرا» أي بالقران وليس بالعنف وقطع الرؤوس.
من أراد فعلا إقامة دين الله وتحكيم شرعه والتحاكم إليه كما ادعى البغدادي "دين الله لا يقام إلا بتحكيم شرع الله والتحاكم إليه وإقامة الحدود ولا يكون ذلك إلا ببأس وسلطان" عليه أن يعلم أن الإسلام لا يقام وينتشر بالبأس والقوة، بل كما علمنا الله عز وجل بالتوكل عليه والرحمة ولين القلب والعفو والشورى «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين».
الإسلام سلام والسلام قيمة لا تُنال بالقتل والإرهاب، فسلام الامبراطورية الرومانية الذي تحقق بالسيف والحرب كان سلاما هشّا وزائلا أدى إلى سقوطها رغم قوتها. أمّا السلام الحقيقي والدائم فيقوم كما نص القرآن الكريم على العدالة «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإَحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» والكرامة «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ» والدفع بالتي هي أحسن «وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ».
هذا هو الفرق بين رسالة داعش والإسلام، وهذا ما يجب أن يعرفه أتباع داعش ليعملوا بقوله تعالى «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون» ويتوبوا إلى الله توبة نصوحا عساه يغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم برحمته التي وسعت كل شيء ويرزقهم الجنة.
 
سعيد بحاجين
باحث في كرسي اليونسكو لفلسفة السلام -اسبانيا-

 


No comments:

Post a Comment