Tuesday, March 24, 2015

الإرهاب الإسلامي: من الضحية ومن المستفيد؟


كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن ما أصبح يعرف بالإرهاب الإسلامي، وتداولت مجموعة من وسائل الإعلام الغربية والعربية هذا المصطلح الخاطئ الذي يخلط بين الإسلام كدين يدعو إلى استعمال الحكمة والموعظة الحسنة، والإرهاب كهمجية جديدة تهدف إلى تخويف المدنيين وقتلهم. لكن ثمة أسئلة يجب الإجابة عنها لمعرفة ماهية وأهداف ما يسمى بالإرهاب الإسلامي، ومن بينها من يقف وراءه؟ من يستفيد منه؟ ومن هم ضحاياه.
من الواضح أن محاربة الإرهاب والحفاظ على الأمن أصبحت تجارة يستفيد منها الكثير، فالإرهاب يتصدر قائمة أعمال جل المؤتمرات وأجندات الرؤساء والمؤسسات الدولية رغم أن ضحاياه لا يمثلون إلا نسبة قليلة من عمليات القتل التي وصلت، حسب بعض تقارير الأمم المتحدة، إلى 437.000 عملية سنة 2012. فعلى سبيل المثال في أمريكا الشمالية، بلد الديمقراطية والأمن وحقوق الإنسان، في كل ساعة يقتل ثلاثة أشخاص بطلق ناري حسب Gun Policy، وحدها سنة 2011 عرفت مقتل 32.163 شخص بعيار ناري، بينما لم يتجاوز عدد ضحايا الإرهاب في العالم خلال نفس السنة 12.553 ضحية حسبCentro Nacional Contra el Terrorismo باسبانيا.
إذا أضفنا إلى ضحايا عمليات القتل باستعمال الأسلحة النارية ضحايا الفقر وانعدام العدالة الاجتماعية وقلة التطبيب، الذي يسبب يوميا موت أكثر من 17.000 طفل حسب منظمة اليونيسيف، فإننا سنكتشف أن التحدي الأكبر للمجتمع الدولي ليس هو الإرهاب بل الفقر والعنصرية وسوء توزيع الموارد الطبيعية وانعدام العدالة، وسنفهم حينها أن من يقف وراء الإرهاب يستعمل كل وسائل الإعلام الحديثة وغيرها لتضخيم الأمر وترويع العالم، وتخويف المسلمين وغيرهم من الإسلام ليستفيد من وضعية عدم الاستقرار في العالم، ولينهب الثروات الطبيعية في منطقة الشرق الأوسط، ويخرب الحضارة الإنسانية الإسلامية، ويبيع الأسلحة للأنظمة العربية في المنطقة لكي تستولي عليها الجماعات الإرهابية فيما بعد وتستعملها لقتل المواطنين الأبرياء.
وعليه من يقف وراء الإرهاب هم رجال ونساء، بعضهم من المحافظين الجدد، يعملون في الظاهر والخفاء لتحقيق مصالحهم والسيطرة على العالم، ويهدفون من وراء ما يسمى بالإرهاب الإسلامي إلى نشر رسالة مفادها أن الإسلام دين حرب وإرهاب، وتعاليمه لا تتماشى مع الديمقراطية وحقوق الانسان، وأنه دين لا يؤمن بالحوار والتحالف بل بالصراع والعنف في حل النزاعات لإثبات ما جاءت به نظرية صراع الحضارات لصمويل هانتنتون، وجعل الإسلام عدو للجميع يجب محاربته سياسيا وعسكريا. بأسلوب أوضح من يقف وراء الإرهاب هدفه هو إثبات صدق نظرية هانتنتون ونظريات غربية أخرى تدعوا إلى معاداة الاسلام، ولا يعقل أن يكون المسلمون بكل طوائفهم شيعة وسنة ودروز، هم من يسهرون ويجتهدون لكي يشاهد الصغير والكبير، العربي والعجمي، الأبيض والأسود، المتدين وغير المتدين، كيف تقطع رؤوس الأبرياء، وتغتصب النساء المسلمات والمسيحيات، ويعذب ويحرق الأسرى تحت هتافات الله أكبر، والله بريء من هذه الهمجية ويقول في كتابه الكريم "ولا تزر وازرة وزر أخرى".
وبالتالي علينا أن نفهم أن الهمجية في الأعمال الإرهابية التي يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية وغيرها في الشرق الأوسط، الهدف منها تبرير همجية الرد الذي يقوم به التحالف الدولي دون احترام المعاهدات الدولية، والقوانين وحقوق الإنسان، لأن الخوف من الهمجية يحولنا إلى همجيين كما قال Todorov في كتابه الخوف من الهمجيين، والجميع يعلم أن الرد العسكري لن يحقق أي انتصار لأن داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية قامت على فكر، ولها أهداف سياسية، وبالتالي الرد يجب أن يعتمد على الفكر ويكون سياسيا. فحسب تقرير Global Terrorism Index 83 % من المؤسسات الإرهابية تمت السيطرة عليها بعمليات أمنية وسياسية وفقط 7 % تمت السيطرة عليها بالتدخل العسكري.
إذن لماذا التركيز على الحل العسكري الذي يكلف ملايين الدولارات يوميا؟ ومن المستفيد من الضربات الجوية؟ خاصة إذا علمنا أنه في اليوم الأول من الحرب على داعش تم إسقاط 47 صاروخا من طراز توماهوك، ثمن كل واحد منها يتراوح بين 600 ألف ومليون و450 ألف دولار، هذا بالإضافة إلى أن كل ساعة طيران تكلف 40 ألف دولار. قطعا المستفيد ليس الإسلام ولا المسلمون الذين يشكلون الضحية الأولى للإرهاب الإسلامي، وهذا ما تثبته الأرقام والإحصائيات الغربية.
بالاعتماد على لغة الأرقام وحسب تقرير Global Index Terrorism ارتفع عدد ضحايا الإرهاب خلال سنة 2013 بنسبة 61 % مقارنة مع سنة 2012، حيث انتقل من 11.133 إلى 17.958 ضحية، ووصل عدد العمليات الإرهابية المسجلة خلال سنة 2013 إلى 10.000 عملية، أي بمعدل 44 % أزيد من سنة 2012. نفس التقرير يبرز أن أربع منظمات كانت وراء 66 % من العمليات الإرهابية المسجلة وهي: بوكو حرام، القاعدة، تنظيم الدولة الاسلامية وطالبان. ويضيف أن 82 % من العمليات وقعت في خمس دول هي: باكستان، سوريا، العراق، افغانستان ونيجريا.
حسب نفس التقرير، العراق هو البلد الذي تعرض لأكثر العمليات الإرهابية. 2492 عملية خلال سنة 2013 راح ضحيتها 6362 شخص، أي ما يمثل ارتفاع في عدد الضحايا بنسبة 164 % مقارنة مع سنة 2012. وفي نفس السياق، أكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن أعمال العنف في العراق أدت إلى مقتل أكثر من 5500 مدني خلال الأشهر الستة الأولى لسنة 2014. وأثبتت الأرقام التي أعدتها وزارات الدفاع والصحة والداخلية في العراق عن مقتل 15 ألفا و538 شخصا خلال عام 2014، بينهم 12 ألفا و588 مدنيا، أي ضعف الحصيلة المسجلة خلال سنة 2013 (6522 شخصا)، دون أن نتكلم عن عدد الجرحى الذي وصل سنة 2014 إلى 22 ألفا و620 شخصا. وهذه الأرقام الصادمة في تزايد رغم التدخل العسكري الدولي. فحسب بعثة الأمم المتحدة في العراق عرفت المدن العراقية مقتل 1103 شخص خلال شهر فبراير 2015.
من خلال هذه المعطيات يتضح لنا أن أغلب ضحايا الإرهاب الإسلامي هم عرب ومسلمون وبالتالي هو إرهاب موجه ضدهم، خصوصا إذا علمنا أن فقط 5 % من ضحايا الإرهاب، و7 % من الأعمال الإرهابية سجلت منذ سنة 2000 في دول تنتمي إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم أربع وثلاثون عضوا جلهم من أوروبا وأمريكا الشمالية. حيث سجلت طيلة الأربع عشرة سنة 3151 عملية إرهابية راح ضحيتها 4861 شخصا، من بينهم 3000 شخص ضحايا أحداث 11 من شتنبر 2001.
ختاما من يقف وراء الإرهاب الإسلامي هو المستفيد من نتائجه وليس من يعاني منه، ولا يعقل أن يكون الضحية هو الجلاد، فبعدما أجبرت سوريا والعراق على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية دخلت الحرب كل من لبنان، إيران، تركيا ودول الخليج المشاركة في التحالف الدولي بالإضافة إلى الأردن خصوصا بعد حرق الأسير معاذ الكساسبة وأخيرا مصر بعد ذبح 21 قبطيا في ليبيا، وكأن التنظيم يستهدف كل دول المنطقة ماعدا إسرائيل.

 سعيد بحاجين
دكتور في دراسات السلام الدولية والنزاعات والتنمية