Tuesday, September 4, 2018

التربية على السلام كأداة لمعالجة ظاهرة العنف في المجتمع المغربي



تنامي ظاهرة العنف في المغرب وتفشي جرائم القتل والاغتصاب والانتحار وما أصبح يعرف بالتشرميل التي نسمع ونقرأ عنها كل يوم وكأنها أحداث عادية، هو دليل عل خلل في المجتمع وفي منظومة القيم والتريبة التي فشلت في تمكين المواطن المغربي من اعتزازه بهويته وحبه لبلده وحل مشاكله ونزاعاته بطرق سلمية دون اللجوء إلى استعمال العنف. الأمر لا يتعلق بظاهرة عابرة ويمكن مواجهتها ومعالجتها باستعمال المقاربة الأمنية وتحميل الأجهزة الأمنية المسؤولية للحد منها، بل بظاهرة تعكس ثقافة العنف الموجودة في المجتمع والناجمة عن أسباب اجتماعية واقتصادية وثقافية، وبالأساس إلى انعدام ثقافة السلام، فكلما انتشرت ثقافة السلام في مجتمع ما كلما قلت ثقافة العنف به والعكس صحيح.

علينا أن نفهم أن العنف ليس عنصرا أساسيا في التكوين البيولوجي للإنسان، لا يوجد إنسان عنيف بالفطرة كما أكد ذلك بيان إشبيلية عام 1986 الذي نظمته اللجنة الوطنية الإسبانية لليونسكو، والذي أعلن أن العنف ليس جينيا في الطبيعة البشرية، وأن العقل البشري ليس عنيفا بالطبيعة، فالسلوك العدواني عند البعض هو سلوك مكتسب وليس فطريا، والعقل البشري الذي أبدع ويبدع في انتاج الحروب والعنف قادر على أن يبدع وينتج السلام والأمن والحب والوئام.

وبالتالي ثقافة العنف التي أصبحت تنخرالمجتمع المغربي، والتي وصلت إلى المؤسسات التعليمية، هي نتاج عنف مورس آنفا على المواطن المغربي داخل المدارس، والمنازل والفضاءات العمومية. نحن نحصد ما زرع أسلافنا، من يزرع الخير يجن الخير ومن يزرع العنف لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يجني السلام. ويبقى العنف الذي مارسه ويمارسه بعض المسؤولين على المواطن المغربي هو سبب العنف في المجتمع، وقمة العنف ضد المغاربة هو عدم احترام كرامتهم وتعليمهم تعليما يركز على العدل والمساواة والقيم الانسانية، ويحقق الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويلبي احتياجات الناس ويزرع الأمل في نفوسهم.

ولمعالجة هذه الظاهرة والحد منها يجب أن لا نركز على المقاربة الأمنية، لأن العنف لا يعالج بتاتا باستعمال العنف، بل أن نعتمد على الدراسات والأبحاث التي بدأت تدرس العنف منذ عدة سنين. ودراسات السلام التي بدأت في الثلاثينات تكلمت عن العنف المباشر كالقتل والتعذيب، والبنيوي كالظلم الإجتماعي، والاقصاء، والفقر المدقع وتجويع الشعوب، والثقافي وهو أخطرها لأنه غير ملموس ويعطي الشرعية للعنف المباشر والبنيوي بالاستعمال غير الصحيح للدين، والاديولوجية، والفن، والعلوم والتربية. ولسوء حظ المغاربة أنهم يعيشون كل أنواع العنف، ليس فقط مع الآخر بل حتى مع أنفسهم، ومع الطبيعة. حتى أصبح المواطن المغربي يمارس العنف ضد نفسه وضد الاخرين دون أن يشعر بأنه يعنف نفسه أو الآخر، بعبارة أخرى أصبحنا نعيش في المغرب تطبيعا وتعايشا مع العنف، الذي تعتبره منظمة الصحة العالمية احدى المشكلات الصحية العمومية.

المشكلة أننا في المغرب، بل في مجتمعاتنا العربية، لم نتعلم كما تعلمت المجتمعات الغربية، من خلال تاريخها المليء بالحروب، أن العنف والدمار لا يؤديان أبدا إلى السلام والأمن، وأن الطريق الأسهل لإحلال السلام هو نشر العدالة، والمساواة، والإخاء، والحرية، والحب، وثقافة السلام. 


ونظرا لكون التربية تلعب دورا هاما في ترسيخ ثقافة السلام، القائمة على مبادئ الحرية، والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية، والتسامح، والتضامن، والمشجعة على استعمال الأدوات السلمية لتحول النزاعات عوض العنف والقوة، فإن التربية على ثقافة السلام هي السبيل لتعزيز السلام في جميع تجلياته، التي تشمل علاقة الفرد بنفسه، وبأسرته، وبمجتمعه، وبخالقه، وبالآخر وبالطبيعة كذلك. وبالتالي هي تربية لا تعتمد على المعرفة فقط بل تركز كذلك على الوجدان والأحاسيس، وتهدف إلى بناء جيل قادر على التعامل بشكل خلاق وإيجابي مع تحديات العالم المعاصر، يشارك في إيجاد الحلول السلمية لنزاعاته، يفهم حقيقة ما يحدث حوله، لا يتسرع في اتخاذ القرارات، ويساهم في التغيير الإيجابي. إنها تربية تهدف إلى غرس القيم الإنسانية، ومن يرب على القيم ويستثمر في الإنسان يستثمر في السلام والأمن.

أخيرا، علينا أن نعترف أن التفاوت الاجتماعي والإقتصادي، وسوء استخدام السلطة، وإهانة المواطن المغربي وراء تفشي العنف بكل تجلياته في المجتمع، ومعالجة هذه الآفة تستدعي منا أولا إعادة الاعتبار للمؤسسة التعليمية بتكريم رجال ونساء التعليم، وللمؤسسة الأسرية باحترام الأباء والأمهات، وللمؤسسة السياسية بانتخاب من يخدم المصلحة العامة. ثانيا، العمل سويا على بناء مجتمع مغربي متماسك، متشبث بالقيم الانسانية، يحترم حياة وكرامة كل شخص دون تمييز أو تحيز، يرفض العنف بجميع أشكاله، يدافع عن الحوار ويساهم في الحفاظ على الطبيعة ومواردها، ولا سبيل لذلك إلا بالتربية على السلام، أي على المواطنة الحاضنة للتنوع، وعلى الوعي بقيمة الإنسان والإنسانية والقيم، وعلى استعمال الأحاسيس وحب الآخرين والوطن.

 سعيد بحاجين
 دكتور في دراسات السلام الدولية والنزاعات والتنمية، وباحث في كرسي اليونسكو لفلسفة السلام باسبانيا.