Wednesday, May 13, 2020

القلب والعقل معا للتغلب على تداعيات جائحة كورونا


مرت الإنسانية عبر التاريخ بعدة أزمات وتحديات صعبة منها ماتغلبت عليها ومنها مازالت لحد الساعة تواجهها كتحدي الفقر والبطالة وانعدام الأمن والمساواة والعدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى تلويث البيئة وتفشي الفساد وإهمال التربية والسلام والتنمية البشرية. وجاءت كورونا لتعمق جروح الإنسانية بعدما أغلقت جل دول العالم حدودها البرية والجوية، وتوقفت أغلب الشركات عن العمل، واعتمدت مجموعة من القطاعات سياسة العمل عن بعد مما أدى إلى زيادة نسبة البطالة والفقر والعنف المنهجي والثقافي في أغلب المجتمعات.

وأمام هذا الوضع أصبح لزاما على الجميع إيجاد الحلول والآليات التي ستمكن العالم من تخطي هذه المرحلة الصعبة والتغلب على الأقلية التي تريد اغتنام الفرصة لتحقيق مصالحها الشخصية. وعلما بأن المسؤول عن ايجاد الحل هو الانسان الذي ميزه الله بالعقل أي بالتفكير وبالقلب أي بالإحساس، فمن بين الآليات المهمة التي يجب اعتمادها في هذه الظروف الصعبة هي قوة الحب وقيمته في العلاقات الإنسانية وسعادة الإنسان. فأسعد وأغنى إنسان في العالم هو الذي يملك قلوب وحب الآخرين لأنه دليل على حب الله عز وجل كما جاء في الحديث، ومن يملك حب الله يملك الدنيا والآخرة، وعليه الحب هو قيمة إنسانية ونعمة نمتلكها جميعا علينا توظيفها كأداة نساعد بها المحتاجين ونقاوم بها من يريد الشر للإنسانية.

لكن الحب وحده لا يكفي لهزم من يريدون الحفاظ على مصالحهم الشخصية على حساب الإنسانية، فنحن بحاجة كذلك إلى قلوب نفقه ونعقل بها وبالتالي إلى أفكار إيجابية وبناءة قائمة على الحب تغني الإنسانية. فمنذ زمن بعيد يعيش العالم ما أسماه البعض بصراع الأفكار، واليوم والعالم يعاني من جائحة كورونا، نحن في أمس الحاجة إلى تحالف وتكامل الأفكار بل إلى أنسنة الأفكار، وأقصد هنا أن نستفيد كشعوب وعائلات وأشخاص من هذه الجائحة لإبداع أفكار تخدم استقرار وأمن الإنسانية، وتعطي قيمة للقيم والأخلاق وتسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والسعادة بين الناس.


الجميع يعلم أن جائحة كورونا هي فاصل بين زمن قد مضى وزمن مغاير على وشك البداية، وكلنا نعلم أن أصحاب المصالح الشخصية رغم قلتهم بدؤوا يخططون ويقررون مصير ومستقبل الإنسانية، بينما الأغلبية الساحقة يتفرجون وينتقدون وينتظرون ظهور القائد المخلص دون أن يساهموا في صنع القرار وكأنهم يجهلون أن العالم الآن لا يحتاج إلى قائد بل إلى قادة، فكل واحد منا يمكن أن يصبح قائدا بأفكاره وإبداعه ويساهم في القيادة الجماعية والايجابية.

حتما إذا اتحدت الشعوب والعائلات والأشخاص يمكننا أن نبدع أفكارا تغيير كل المخططات المتواجدة في الخفاء والعلن، فلا شيء مستحيل إذا استطعنا تخيله ممكنا وحاولنا تطبيقه على أرض الواقع. فالإنسان لم يبدع أكثر إلا في وقت الأزمات لأن الحاجة أم الاختراع، والقضايا الكبرى توحد الشعوب، وكلما آمن الإنسان بفكرة ما إلا وساهم في تحقيقها لأن التفكير الإيجابي والإيمان بالقدرة الإلهية وبفكرة معينة يؤدي إلى تحقيقها وإلى نتائج إيجابية كذلك. فهل نحن مستعدون لنترك بصمتنا في تاريخ الإنسانية؟ هل نحن جاهزون لنكتب التاريخ ونجعل من جائحة كورونا فرصة لخلق نظام عالمي جديد قائم على القيم الإنسانية ويستعمل أقوى سلاح في العالم وهو سلاح الحب؟ هل نستطيع إبداع نظام مالي يخدم مصلحة الجميع وليس البعض فقط؟ هل لدينا الجرأة لنقول لمن يقررون مصير الإنسانية سنحيلكم على التقاعد النسبي وسنتولى زمام الأمور؟ هل جاء وقتنا لنجعل من منظمة الأمم المتحدة فعلا منظمة عالمية تهدف إلى إحلال السلام بين شعوب العالم بدون حق فيتو للبعض؟ هي أسئلة متعددة وفرصة واحدة أمامنا لنغير مجرى التاريخ بالأفكار والحب.

نحن الآن بحاجة إلى أفكار تعتمد على الحب للناس وللطبيعة وللخالق، أفكار تفقد حكومات الظل قوتها أمام إرادة الشعوب، أفكار تجعلنا جميعا ننتصر في معركتنا ليس فقط على جائحة كورونا بل وعلى الخوف الذي يجعلنا متفرجين وغير مشاركين في تسيير العالم الذي نعيش فيه. نحتاج إلى جمع الشمل والعمل معا في أحزاب ومنظمات دولية افتراضية، وتكوين خلايا تفكير افتراضية في مجال المال والاقتصاد تضع لنا أسس نظام مالي إنساني لما بعد زمن كورونا، يقلل من البطالة والفقر في العالم ويساهم في العدالة الاجتماعية، وخلايا أخرى في مجال التربية والثقافة والفن والدبلوماسية، والتحول السلمي للنزاعات والأمن الإنساني وغيرها، لنكون فعلا صناع السلام ونترك بصمة في قلوب الآخرين وفي تاريخ الإنسانية. فلا سلام بدون عدالة اجتماعية، وتنمية اقتصادية، وحماية للبيئة، واحترام الاختلاف وإعطاء قيمة للقيم. 

سعيد بحاجين 
دكتور في دراسات السلام الدولية والنزاعات والتنمية، وباحث في كرسي اليونسكو لفلسفة السلام باسبانيا.

No comments:

Post a Comment