من بين التحديات
التي تواجه الإنسانية في الزمن الحاضر تحدي التطرف العنيف، الذي يقوض السلام، والأمن
والاستقرارفي العالم بأسره. ولمعالجة الظروف المؤدية إلى هذه الظاهرة العالمية يجب
أن نتفق جميعا على أن الإنسان لا يولد متطرفا، فالتطرف ليس فطريا في الإنسان بل هو
مكتسب، وهناك عوامل متعددة تؤدي إلى التطرف في الأحاسيس والأفكار والأفعال، منها
ما هو عام ويمكن أن تشترك فيها جماعة أو طائفة معينة، كالتهميش والتمييز والقمع
والقهر الممارس على جماعة معينة، ومنها ما هو خاص كبعض التجارب الشخصية السلبية
التي يمكن لشخص عادي المرور بها، وتؤدي إلى إحساسه بالإهانة وإلى فقدان إنسانيته،
واعتناق فكر متشدد يجعله يرى في العنف الوسيلة المثلى والوحيدة لاستعادة كرامته وإنسانيته.
وعليه، علينا أن نقتنع أولا أن الإنسان المتطرف ليس عدوا، بل هو إنسان يمكنه أن
يصبح صديقا إذا تم الأخذ بيده ومساعدته لاستعادة كرامته، والعدول عن فكرة استعمال
العنف ضد الآخرين وضد نفسه.
ولا سبيل لمواجهة ثقافة
العنف والتطرف في المجتمعات الإسلامية، إلا بوقف التعامل مع الشركات العالمية التي
تستثمر في الأسلحة والعنف، والاستثمار في ثقافة السلام ونشر قيم المساواة، والعدل
والحرية والرحمة والسلام التي دعا إليها الإسلام. فإذا كان التطرف العنيف يحتاج إلى
زعيم يحرض الناس على العنف، فالعالم لا يحتاج إلى زعيم لمواجهته لأن كل شخص يحب
الناس ويعمل لخير الإنسانية هو زعيم للسلام وسفير للإسلام. وإذا كان شيوخ التطرف
العنيف يرون في القتل والعنف طريقا للجنة، فالإسلام يعلمنا أن أسرع وأسهل طريق
للجنة هو الحب. فحب الناس دليل على حب الله، ومن أحبه الله دخل الجنة بسلام.
وهنا يكمن دور
الحب في مواجهة التطرف العنيف في المجتمعات الإسلامية، أولا لأن المسلم يسعى لحب الله،
ويحرص على رضاه، ويحس ويسعد بتبادل مشاعر المحبة معه. وثانيا لأن الحب هو أنسب رد على
من يدعون أن الله راض عنهم ويحب ما يقومون به من قتل وتعذيب وتهجير للأبرياء. فإذا
عرفنا من يحبهم الله سنعرف ما علينا عمله لنفوز بحبه، فالحب هو دليل على الإيمان «والذين
آمنوا أشد حباً لله»، وحب الله ورسوله يدخل صاحبه الجنة، فعن أنس بن مالك، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة يا
رسول الله؟ قال ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة، ولا صوم ولا صدقة،
ولكني أحب الله ورسوله، قال: أنت
مع من أحببت. وإتباع خطى رسول
الله صلى الله عليه وسلم في رحمته وإحسانه هو حب لله ورسوله، والحب لا يأتي إلا
بالحب كما قال تعالى «قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني يحببكم الله»، ومن يحبه
الله يحبه الناس جميعا، لأن الله يضع له القبول في الأرض كما قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه
أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.
فمن يحب الخير
والسلام للإنسانية يحبه الجميع، والمتحابون في الله يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله،
ويغبطهم الأنبياء والشهداء لقربهم ومكانتهم من الله عز وجل كما جاء في الحديث. وعليه،
فحب الله، والآخر والطبيعة هو الطريق إلى الجنة، وليس العنف والقتل والكراهية
والاعتداء على الناس وظلمهم. فمن يظن أن إقامة الدين تكون بالبأس والقوة،
والاعتداء على الآخر وظلمه، عليه أن يفهم قوله تعالى «وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ
لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِين» وهي أكبر صفة لا يحبها الله في عباده، ووردت ثلاث مرات
في القرآن في سورة (البقرة، 190) و(المائدة، 87) و(الأعراف، 55). والاعتداء يكون
باستعمال العنف المباشر كالقتل والتعذيب، أو غير المباشر كالإهانة وعدم احترام
الإنسان الذي كرمه الله. ومن يعتدي على الناس فهو ظالم "وَاللّهُ لاَ
يُحِبّ الظّالِمِينَ ،"ونجد هذا في كل من سورة (آل
عمران، 57 و140) و(الشورى، 40). والقران يعلمنا كذلك أن الله لا يحب المستكبرين،
ولا المسرفين، ولا الخائنين، ولا المفسدين "إِنّ اللّهَ لاَ
يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ"، ونشر ثقافة العنف والقتل والكراهية هو أكبر فساد في الأرض،
وخيانة للأمانة التي أؤتمن عليها الإنسان وهي خلافة الرحمن في أرضه، والإحسان إلى
خلقه. لذا نجد في القران أن أكثر من يحبهم الله هم المحسنون"
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". والإحسان هو إتقان العمل والقيام به على أفضل وجه، والمحسن يتقن
ويحسن عمله ومعاملته مع الآخر، وقد ورد حب الله للمحسنين خمس مرات في القران (البقرة،
195) و(آل عمران، 148و134) و(المائدة، 13 و93) وجزاء الإحسان هو الإحسان مصداقا
لقوله تعالى "هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا
الإحْسَانُ". وبالتالي، حب الله لا يناله المفسدون في الأرض الذين يعتدون
ويظلمون ويقتلون الأبرياء، ويهجرون ويخرجون الناس من ديارهم، بل المحسنون
والمتقون، والمقسطون، والصابرون، والتوابون، والمتطهرون، والمتوكلون كما جاء في
القرآن.
هذا هو الفرق بين التطرف العنيف
والإسلام الحنيف، وهذا ما يجب أن يعرفه مروجو التطرف العنيف عن الحب والجمال
والإحسان، وعن دين جاء نبيه رحمة للجميع وليس فقط
للمسلمين «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وعن إله رحيم يوصي عباده بالرحمة ويرحم
منهم الرحماء «إنما يرحم الله من عباده الرحماء».
سعيد
بحاجين
دكتور في دراسات السلام الدولية والنزاعات والتنمية، وباحث في كرسي اليونسكو
لفلسفة السلام باسبانيا.
No comments:
Post a Comment