ما نراه حاليا في منطقة
الشرق الأوسط ينذر بقيام حرب كبيرة بين المسلمين، خصوصا بين الشيعة والسنة،
وبالتحديد بين إيران وحلفائها والمملكة العربية السعودية وحلفائها. قيام
حرب ساخنة بين الدولتين هو نتيجة حتمية إذا استمرت الحرب الباردة التي بدأت منذ
فترة وتغديها وتؤججها بعض الأطراف من الداخل والخارج. فالحرب بالوكالة التي تخوضها
الدولتان في كل من سوريا واليمن والعراق، وإعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر
من طرف السعودية، والهجوم المزدوج على البرلمان وضريح الإمام الخميني خلال
التفجيرات الأخيرة التي ضربت إيران، والتي حملت فيها طهران المسؤولية للرياض، وتصاعد
الحرب الكلامية بين البلدين خصوصا بعد القمة السعودية الأمريكية، وتصريحات الأمير
محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود وزير الدفاع، الذي تم تعينه وليا للعهد مؤخرا
بعد زيارة ترامب ومؤتمر الرياض طبعا، والذي قال بأن بلاده "لن
تنتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة لديهم في إيران"، وغضب إيران من هذه التصريحات وتقديمها رسالة احتجاج إلى أمين عام
الأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن. ولا يجب أن ننسى الأزمة الراهنة بين المملكة
العربية السعودية وقطر التي تجمعها مصالح أمنية وعسكرية مع إيران، حيث وقعا اتفاقا
أمنيا وعسكريا في أكتوبر 2015 تحت مسمى "مكافحة الإرهاب والتصدي للعناصر
المخلة بالأمن في المنطقة"، ومصالح إقتصادية منها حقل الغاز المشترك
بينهما في مياه الخليج العربي والذي تقدر مساحته ب 9700 كيلومتر
مربع، وتتهمها السعودية بأنها «تصر على زعزعة أمن السعودية ودول المنطقة ودعم الإرهاب
الذي هدد العالم بأسره، إضافة إلى شركتها مع إيران في توجهها الذي لم يتوقف عن خلق
الفوضى العارمة في دول المنطقة»، حسب ما أكده مندوب المملكة العربية السعودية الدائم
لدى الأمم المتحدة في نيويورك عبد الله بي يحيى المعلمي في بيان صادر يوم 1 يوليوز
2018، والذي جاء فيه كذلك «إن قطر اختارت أن تكون إيران حليفا لها». ولهذا كان من
بين مطالب دول الحصار الحالي على قطر أن تقطع هذه الأخيرة العلاقات الدبلوماسية مع
إيران.
وبالتالي
لا ينقص قيام حرب مباشرة بين الدولتين إلا وقوع حدث على غرار 11 شتنبر في السعودية
أو إيران، أو تنفيذ عملية إراهبية داخل الحرم المكي أثناء موسم الحج مثلا، يروح
ضحيتها عدد كبير من المسلمين، ويموت منفذ العملية ويتم العثور على وثيقة هويته كما
هو الحال في أغلب العمليات الإرهابية، وتتهم إيران بأنها المسؤولة عن العملية، مما
سيؤدي إلى دعم المسلمين في العالم للمملكة العربية السعودية للهجوم على إيران،
وإلى فتح باب الجهاد لمواجهة المد الشيعي، والقضاء على زعماء إيران، الذين وصفهم
سابقا مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بأنهم «ليسوا مسلمين، وأنهم أبناء
المجوس، وعداؤهم للمسلمين أمر قديم وتحديدا مع أهل السنة والجماعة». مما لا شك فيه
أننا نتكلم عن سيناريو رهيب، ولا أحد يتمنى حدوثه لأنه سيؤدي إلى قتل العديد من
المسلمين، وإلى الرجوع بالمنطقة إلى عشرينيات القرن الماضي أي قبل الثروة النفطية.
الغريب
في الأمر أن أحدا لم ينجح لحد الساعة في التدخل لإصلاح ما يمكن إصلاحه، والدفع
بالدولتين وبأكبر فرقتين في الإسلام، الشيعة والسنة إلى الحوار والتحالف وإحلال
السلام في المنطقة والعالم. والتركيز على إيران والسعودية راجع للوضع الراهن الذي
تعيشه منطقة الشرق الأوسط، والمتمثل في التنافس الواضح بين مجموعة من الدول
الإسلامية، وعلى رأسها تركيا، المملكة العربية السعودية، قطر وإيران لزعامة
المنطقة، والتحكم في سياستها الخارجية. فهل يمكن أن نجد "كلمة سواء" بين
الفرقتين؟ وكيف يمكن أن نوقف حربا تريد شركات الأسلحة العالمية إشعالها بين
المسلمين في المنطقة، بحجة تنامي المد الشيعي، وسعي إيران إلى امتلاك القنبلة
النووية وتنامي الإرهاب في دول المنطقة؟
للإجابة
على هذه الأسئلة، علينا أن نفهم أن المنطقة التي نتحدث عنها عاشت مؤخرا حدثا
تاريخيا، تجلى في زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية، أو ما سمته جريدة القدس
العربي بانحناءة ترامب أمام الإسلام. وأنا هنا لا أريد أن أدخل في نقاش من ينحني
لمن، هل ترامب لملايير المملكة أم المملكة لشركات أمريكا؟ فكلاهما ينحني للآخر
لأنه حسب موقع CNN بالعربية، المملكة عقدت صفقات مع أمريكا
تتجاوز 400 مليار دولار، سيخصص منها 110 مليار للمبيعات الدفاعية. مما يعني أن
المملكة العربية السعودية وأهل السنة في
خطر، ويجب على المملكة أن تدافع عن نفسها من الخطر الذي يهددها والمسؤول عن عدم
استقرار المنطقة، وهو النظام الإيراني الذي «يعطي للإرهابيين الملاذ الآمن، والدعم
المالي، والمكانة الاجتماعية اللازمة للتجنيد»، كما جاء في خطاب الرئيس ترامب
بالرياض. وبالتالي فترامب "الداعي إلى السلام في المنطقة"،
والذي جعل من السلام كذبة وسلعة تباع وتشترى، يرى أنه لكي «يرغب النظام الإيراني
في أن يكون شريكاً في السلام، يجب على جميع الدول أن تعمل معاً لعزل إيران، ومنعها
من تمويل الإرهاب». وحسب نفس الخطاب يؤكد ترامب على أن دول الشرق الأوسط هي المسؤولة
عن محاربة العدو والقضاء على الإرهاب، وعليها أن تقرر ما هو المستقبل الذي تريده
لنفسها، والولايات المتحدة الأمريكية ستساعدها في ذلك.
المسألة
إذن لا تستدعي ذكاء خارقا لفهم ما يريده الرئيس الأمريكي ترامب وشركاؤه، الذين
يدعون الله أن يضرب المسلمين بالمسلمين وأن يخرجهم من بينهم سالمين وغانمين.
فالمستفيد الوحيد من الحرب الطائفية في العراق، اليمن، البحرين وسوريا هو الولايات
المتحدة الأمريكية وحليفتها في المنطقة إسرائيل، التي تراقب كيف يتم تدمير السلاح السوري،
وتستعد لدفن القضية الفلسطينية والانفراد بزعامة المنطقة سياسيا وعسكريا، خصوصا في
حال نشوب حرب مباشرة وساخنة بين السعودية وإيران، وانشغال الجيش المصري بشؤون مصر
الداخلية. فهل ستقود المملكة العربية السعودية حربا في المنطقة ضد إيران بالنيابة
عن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل؟
إذا
عرفنا من سيستفيد من الحرب في حال نشوبها بين المملكة العربية السعودية وإيران،
فسنعرف من يسعى إلى إشعالها. المجتمعات الإسلامية لديها العديد من التحديات، منها
القضاء على الفقر، والأمية، والإهانة، والفساد الإداري والمالي، وعدم احترام حقوق
الإنسان، وسوء تدبير العيش المشترك، وتريد أن تنعم بالسلام والأمن، ولا تريد
الدخول في حرب ونزاعات مسلحة تعمق من أزماتها. وبالتالي من الحمق القول بأن إيران
أو المملكة العربية السعودية، أو المسلمين سيستفيدون من حرب شاملة في المنطقة. حرب
ستؤدي إلى قتل المسلمين بعضهم البعض، وإلى انخفاض مهول في عدد الحجاج لانعدام الأمن،
وإلى صرف الملايين على شراء الأسلحة، وإلى انخفاض مداخيل النفط، خصوصا في حال
إغلاق مضيق هرمز من طرف إيران الذي يعتبر المنفذ البحري الوحيد لبعض الدول
الخليجيّة كالعراق، الكويت، الإمارات، البحرين وقطر، ومنه يمر يوميا أكثر من 35 في
المائة من النفط الذي ينقل عن طريق البحر، وهو ما يشكل 20 في المائة من النفط الذي
يباع في العالم.
وبالتالي
المستفيد من الحرب هو طرف ثالث يريد أن يستحوذ على ثروات المنطقة، من احتياطي
النفط في إيران التي تحتل المرتبة الرابعة عالميا ب 154 ألف مليون برميل، والثانية
في احتياطي الغاز ب 33,6 تريليون م³، ومن احتياطي المملكة العربية السعودية التي تحتل المرتبة الثانية
عالميا ب 265 ألف مليون برميل، والسابعة في احتياطي الغاز ب 8,6 تريليون م³. بالإضافة إلى
بيع الأسلحة لدول المنطقة، فوفقا لدراسة أجراها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث
السلام (SIPRI)ارتفعت واردات الأسلحة من قبل دول الشرق الأوسط بنسبة 86 في المائة
خلال الخمس سنوات الماضية (2012-2016)، وأصبحت المملكة العربية السعودية ثاني أكبر
مستورد للأسلحة في العالم خلال تلك الفترة الزمنية، وأهم زبون للولايات
المتحدة الأمريكية أول مصدر للأسلحة بالعالم. فقط خلال سنة 2014 بلغت
ميزانية التسلح في المملكة العربية السعودية إلى 80.762 مليون دولار، بينما صرفت
إيران 15 مليون دولار على التسلح خلال نفس السنة.
من
خلال هذه المعطيات يتبين أن أي مواجهة مباشرة بين الدولتين ستأتي بخسارة فادحة
للطرفين، ولكل الدول العربية وللمسلمين والعالم، وهي حرب سيخسرها الطرفان معا،
وستكسب منها الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وإسرائيل ودول الاتحاد
الأروبي ملايين الدولارات، من خلال بيع الأسلحة التي ستدمر المنطقة، وكذلك من خلال
الاستثمار في إعادة بنائها وتأهيلها.
المشكلة
أن كلتا الدولتين تعرف نفسها على أنها دولة إسلامية، وتصرف أموال طائلة على
المنظمات الدولية والمؤتمرات لتبرز أهمية الحوار، الصلح والسلم في الإسلام، وكان
من الأجدر بها أن تستعمل هذه الأدوات لحل نزاعاتها الداخلية والخارجية،
لتبرز بالفعل وليس فقط بالقول أن الإسلام هو دين التسامح والسلام، وأن الحرب
ولغة العنف والسلاح ليست من أخلاق المسلمين.
على
كل العرب والمسلمين، بل على كل سكان العالم أن يكفوا عن صمتهم، وأن يرفعوا أصواتهم
ويطالبوا المسؤولين بإيقاف هذه الوضعية، وعدم القبول باستعمال القوة الخشنة لحل
النزاع بين المسلمين. دائما هناك حلول سلمية للنزاعات، واستعمال القوة المرنة
غالبا ما يؤدي إلى نتائج إيجابية تستفيد منها كل الأطراف المتدخلة في النزاع. الحل
العسكري للنزاع القائم بين إيران والمملكة العربية السعودية سيدمر المنطقة، وسيأتي
بما هو أسوأ، وسيؤدي إلى انتشار الإرهاب والتطرف العنيف وانعدام الأمن والسلام والإستقرار.
أين هم المحللون، والسياسيون، والإعلاميون، والفقهاء، والأمم المتحدة، والمجتمع
الدولي وغيرهم؟ ليساهموا بأفكارهم، وكتاباتهم، وأقوالهم، وأفعالهم في توعية الناس،
ولماذا لا تشتغل الدبلوماسية الشعبية والموازية والناعمة وحتى التقليدية للوقاية
من حدوث حرب مدمرة، أولها دمار وآخرها موت وخراب وهلاك، لن يربحها أحد، بل الجميع
فيها خاسر ومنهزم.
أخيرا
إذا كان خراب المنطقة ودمارها بيد المسلمين، فالسلام والأمن والاستقرار العالمي
بأيديهم كذلك، لأن التجارب أثبتت أن النزاعات مؤخرا لم تعد تقتصر على منطقة معينة.
فما يحدث في الشرق يؤثر في الغرب، وما يحدث في الجنوب يؤثر في الشمال، وخير مثال
ما يحدث في سوريا مؤخرا، فهو لا يؤثر فقط على استقرار دول الجوار بل حتى على دول
بعيدة عن المنطقة، اضطرت لاستقبال اللاجئين الفارين من ويلات الحرب. لهذا على
الجميع أن يعمل على خلق فضاء يوحد بين المسلمين ويعطي قيمة للأخلاق والقيم
الإنسانية التي دعا إليها الإسلام، والتي يمكنها أن تؤسس لأرضية مشتركة بين
المسلمين، وتجمعهم على "كلمة سواء" تتجلى في حب الله، والآخر والطبيعة
وأنفسهم أولا، ليشاركوا جميعا في الجهاد السلمي، الذي يهدف بالأساس إلى رقي الأمة
الإسلامية وإزدهار الإنسانية جمعاء، وليس لإنتصار دولة أو مذهب على حساب الآخر.
وهذا يتحقق إذا فهم المسلمون شيعة وسنة البعد الإنساني في الإسلام، وأهميته في
إحلال السلام بينهم. فجهاد الفكر والكلمة، أي الجهاد السلمي، هو السبيل لحل كل
النزاعات التي تعاني منها الدول الإسلامية سلميا، ولن يتحقق هذا إلا بتطبيق تعاليم
القرآن الكريم الذي يعلمنا أن "الصلح خير"، وباحترام المواثيق والمعاهدات
الدولية الداعية إلى الحل السلمي للنزاعات.
من
واجب المسلمين أن يفهموا أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى للحفاظ على مصالحها وهيمنتها
الإقتصادية والعسكرية والسياسية على العالم، والتي لن تتحقق إلا بالقضاء على خمسة
أنظمة معادية لأمريكا وهي كوريا الشمالية، العراق، ليبيا، سوريا وإيران، حسب تقرير
نشرته سنة 2000 خلية تفكير مشروع القرن الأمريكي الجديد "PNAC". ولقد شاهد الجميع
كيف دمرت العراق باسم محاربة القاعدة في عهد بوش الإبن، وليبيا باسم الثورة في عهد
أوباما، وفي عهده كذلك دمرت سوريا باستعمال داعش، وجاء ترامب ليكمل المسيرة ويحاول
تدمير إيران بحجة تمويلها للإرهاب ومساعدة دول الشرق الأوسط لمحاربة التطرف العنيف، ويعلن يوم 5
يوليوز 2017 على لسان مندوبة بلده الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي أن الولايات
المتحدة الأمريكية مستعدة لاستخدام القوة العسكرية ضد كوريا الشمالية.
ختاما
على المسلمين أن يتداركوا الموقف وأن لا يلعبوا دور الضحية ويلوموا غيرهم، وأن
يعترفوا بأخطائهم ويغيروا ما بأنفسهم لتتغير أحوالهم كما قال تعالى "إِنَّ
اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم"،
وعلى المملكة العربية السعودية أن تختار الصلح والتحكيم
والحوار والتسامح لمواجهة التطرف العنيف، وحل نزاعاتها مع قطر وإيران ودول المنطقة،
لكي لا يأتي يوم وتقول كما قال الثور الأسود للأسد: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
سعيد بحاجين
دكتور
في دراسات السلام الدولية والنزاعات والتنمية، وباحث في كرسي اليونسكو لفلسفة
السلام باسبانيا.