لقد قال
الشعب كلمته وخرج في مسيرات سلمية وأخرى غير سلمية معبرا عن استياءه من الإساءة
المتعمدة للرسول الكريم بينما سارع الرؤساء العرب كما جرت العادة إلى التنديد بما حدث وإرسال
برقيات التعزية إلى الرئيس الأمريكي واتخاذ احتياطات أمنية مشددة لحماية السفارات
الغربية. وكأن الخطأ في نظر بعض الرؤساء هو رد فعل الشارع وليس الفعل الذي قام به
من يريد اشعال الفتنة فى العالم بين المسلمين والآخر.
لا يوجد أدنى
شك في أن الجهات المدعمة والمشرفة على الفلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم كانت
تعرف مسبقا رد فعل الشارع العربي والإسلامي وربما كان هذا هو الهدف المنشود، ولا
علاقة لهذا بنظرية المؤامرة بل بأحداث وقعت في الماضي وكان رد الشارع واضحا عليها ورد
الرؤساء والحكومات مخجلا كالعادة. لهذا يجب أن نتعلم الدروس وأن نطالب الحكومات
العربية أولا باحترام شعوبها والحفاظ على كرامتها ومقدساتها من خلال الاستماع لها
ولمطالبها، وثانيا بالتحرك على المستوى الدبلوماسي واستدعاء سفرائها في الدول التي
لم تتخذ اجراءات ضد من سولت لهم نفسهم الإساءة الى أفضل خلق الله، لأن الأمر يتعلق
بالمس بأحد المقدسات الدينية. وكل تهاون من طرف حكوماتنا في هذا الأمر سيكون محفزا
للمتطرفين ليسخروا في المستقبل من شعوبنا وديننا وحكوماتنا ورؤسائنا وعندها سنكون
قد تعودنا على الرد بالتخريب والتنديد فقط.
لماذا لا تكون
لدينا دبلوماسية قوية أو على الأقل محامون مثل محامو الدوقة كيت ميدلتون الذين
أرغموا بحكم من محكمة فرنسية المجلة "كلوزر" على عدم نشر أو توزيع المزيد من
الصور التي التقطت للدوقة وهي عارية الصدر، وأمرت المحكمة المجلة بتسليم الصور إلى الزوجين وتعويضهم بما قدره 10.000 يورو عن كل
يوم تأخير في تسليم الصور. للإشارة
صدر هذا الحكم في نفس اليوم الذي نشرت فيه المجلة الفرنسية الساخرة شارلي
ابدو رسوما تسيء إلى الرسول صلى
الله عليه وسلم. ولا أريد هنا أن أقارن بين رد فعل المحكمة الفرنسية في قضية
الدوقة وقضية المليار ونصف مسلم، لأننا سنصل إلى نتيجة مأسوية مفادها أن عرض
الدوقة له قيمة ويحترم بالمقارنة مع عرض المليار ونصف مسلم.
علينا أن
نتعلم من قضية الدوقة التي سترت نفسها بعدما عرتها كاميرات المتطفلين عن طريق
المحكمة وباستخدام القانون وأن نكون ضد ما يحدث في المجتمعات العربية والمسلمة لأن العنف ليس هو الحل ولا الطريق للدفاع على رسولنا صلى الله عليه وسلم والتعريف
بالأخلاق التي ربنا عليها. العنف الثقافي الذي تكلم عنه مؤسس دراسات السلام في
العالم جوان غالتون Johan
Galtung يواجه بثقافة السلام حسب نفس
المفكر، وهذه الثقافة أي ثقافة السلام هي التي أسس لها الإسلام وعلمها لنا رسول
صلى الله عليه وسلم من خلال سنته النبوية وتعاليم القرآن الكريم الذي وصانا أن
ندفع بالتي هي أحسن حتى مع الأعداء. يقول الله عز وجل {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك
وبينه عداوة كأنه ولي حميم} سورة فصلت آية رقم 34
حان الوقت
إذن لوقف هذا العنف الثقافي ضد المسلمين تحت ذريعة حرية التعبير والديمقراطية لأن حرية
التعبير حتى وإن كانت أحد المبادئ الأساسية للديمقراطية يجب أن تمارس بمسؤولية
وبروح من الاحترام للأديان والمعتقدات الأخرى. لا ينكر عاقل حق الجميع في حرية
التعبير ولكن العاقل لا يستخدم هذا الحق كذريعة للتحريض على الكراهية أو إهانة معتقدات
الآخرين.
وعليه من
واجب كل شخص أو شعب يشارك في بناء الحضارة الإنسانية أن يقف ضد استفزاز مشاعر
المجتمعات المسلمة التي عاشت تجارب مماثلة مع الرسوم المسيئة للرسول، وفيلم فتنة،
وحرق القرآن، وأن يدين جميع أعمال العنف ضد المواطنين والممتلكات الغربية في البلدان
الإسلامية، وكذا الجهود المتواصلة من قبل بعض الأفراد المتطرفين لإيذاء مشاعر المسلمين.
في نفس الوقت على المسلمين أن لا يقعوا في فخ فلم براءة المسلمين أو الرسوم
الكاريكاتورية الذي نصبه لهم بعض المتطرفين والمحافظين الجدد لإشعال فتيل الفتنة
بينهم وبين اخوانهم في المجتمعات الغريبة، خصوصا بعد انتفاضة الشعوب العربية ضد
الاهانة وبداية مشوار الكرامة العربية في بعض هذه الدول. يجب علينا كمسلمين أن
نعلم أن المشكلة ليست في الغرب، ولكن في التطرف وجهل الآخر بالإسلام، والسبيل
الوحيد لهدم جدار الجهل الذي يعرقل تواصلنا مع الآخر هو التعريف بتعاليم ديننا
وأخلاق نبينا من خلال ممارساتنا اليومية لأن قتل الأبرياء لا علاقة له أبدا بأخلاقيات
الإسلام.
إذن أول خطوة
في مشوار الرد السلمي والإسلامي على الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تبدأ
بتحويل تعاليمه إلى ممارسات، والسماح للآخرين بالتعرف عليه عن طريق سلوكنا في
الحياة اليومية، أي بالرجوع إلى الإسلام. أما الخطوة الثانية فتتمثل فيما قاله
جورج سامبايو الممثل السامي لتحالف الحضارات بالأمم المتحدة بوضع قوانين دولية
لحظر أي دعوة إلى الكراهية الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو
العنف. وبالتالي التعايش السلمي بين الشعوب يتحقق بالعمل يدا في يد مسلمين وغير مسلمين،
شعوبا وحكومات لحث الأمم المتحدة على وضع قانون دولي ضد الإساءة للديانات السماوية،
ومطالبة محكمة العدل الدولية بمتابعة كل من تسول له نسفه الإساءة إلى معتقدات الآخرين.
سعيد بحاجين
باحث
بكرسي اليونسكو لفلسفة السلام -إسبانيا-