حكام العالم بما فيهم العرب والمسلمون حائرون يفكرون ويبقبقون
في جنون كيف السبيل إلى وقف العدوان على غزة. يجتمعون، يتكلمون وينددون لكنهم
عاجزون عن إيقاف مجزرة إنسانية تحدث أمام أعين الجميع. مهزلة للتاريخ أن تجتمع دول العالم وتدعو إلى الوقف
الفوري لإطلاق النار ولا تنجح في ذلك. القمة العربية والإسلامية المشتركة دعت لإيقاف
الحرب وتأمين ممرات إنسانية عاجلة، والجامعة العربية دعت والاتحاد الأوروبي بدوره
دعا، لكن لا نعرف من يدعون؟ هل يدعون إسرائيل أم الأمم المتحدة التي بدورها تدعو أم
يدعون الله كما تفعل شعوب العالم المغلوبة على أمرها.
الحقيقة أن الفاعل الوحيد الذي يمكنه إيقاف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة هي الولايات المتحدة الأمريكية التي استعملت مؤخرا حق النقض فيتو ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بوقف فوري لإطلاق النار لدواع إنسانية في قطاع غزة. في الواقع شئنا أم أبينا حاليا الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تتخذ القرارات وتساهم بشكل مباشر في حرب غزة. وهذا ما نعيشه على أرض الواقع وما يخجل حكام العالم من قوله وما أخبرني به السيد دييغو دي أوخيدا مستشار قسم السياسة الدولية والأمن في ديوان رئاسة الحكومة الإسبانية سنة 2008 حينما زرته في قصر الرئاسة بمدريد بمعية بعض طلبة الماستر الدولي لدراسات السلام والنزاعات والتنمية لنسلمه رسالة موقعة من طرف 63 طالبا من 40 جنسية موجهة للسيد رئيس الحكومة الاسبانية نطالبه بالتدخل لفك الحصار على غزة "لا إسبانيا ولا الاتحاد الأوروبي ولا أي بلد يمكنه أن يرفع الحصار عن غزة، من يملك القرار في الشرق الأوسط هي الولايات المتحدة الأمريكية".
الكرامة السياسية تستوجب على حكام العالم قول الحقيقة للشعوب
والاعتراف بفشلهم في إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بالتراجع عن مشروعها الفاشل
ووهمها في إنشاء الشرق الأوسط الجديد والوقف الفوري للحرب على سكان غزة وعدم
استعمال حق الفيتو لإطالة العدوان وقتل الأبرياء بل لوقفه وإنقاذ الإنسانية من
ويلات الحروب.
ومع فشل الحكام في إحلال السلام تبقى الكلمة للشعوب، التي تعيش
ويلات الحرب في فلسطين وفي مجموعة من دول العالم، والتي تشفق على حكامها وتقول لهم
كفى بقبقة، كفى تنديدا وكفى قمما دون نتائج على أرض الواقع، نشكركم على مجهوداتكم ونتفهم
الوضع الراهن ونعرف من يسيطر على الأمور، لذا لن نطالبكم باعتزال السياسة
والدبلوماسية والحكم لأننا نعي قيمة كرسي الحكم عندكم، بل نقول لكم لتغيير الوضع
الحالي والانتقال من ثقافة العنف والحرب إلى ثقافة السلام والأمن عليكم أولا
الاعتراف بفشل سياستكم وإعطاء الشعوب فرصة اتخاذ القرارات وسماع صمتها عندما تقاطع
وصوتها عندما تتظاهر. ولن نطالب الأمم المتحدة بتغيير دباجة ميثاقها الذي يبدأ
ب"نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من
ويلات الحرب" لأنها لحد الساعة ومنذ تأسيسها فشلت في إنقاذ الإنسانية من
الحروب، وساهمت من خلال استعمال أعضاء
مجلس الأمن الدائمين لحق الفيتو، وكلهم من المالكين للأسلحة النووية ومن الدول الأولى
عالميا في إنتاج وبيع الأسلحة، في إغراق الشعوب والبشرية في ويلات الحروب، بل نقول
لها إن إنقاذ البشرية من ويلات الحرب وتغيير هذا الوضع ممكن إذا كانت لدينا الرغبة
واستثمرنا في السلام وفي التربية على السلام والعدالة والكرامة الإنسانية والحفاظ
على البيئة والتنمية البشرية بالإضافة إلى التضييق على شركات إنتاج وبيع الأسلحة، وإعادة هيكلة وتسمية "الأمم المتحدة" لتصبح "الشعوب المتحدة"
وليصبح القرار بيد الشعوب وليس الحكام وأعضاء مجلس الأمن الدائمين. بهذه الطريقة
سننقذ فعلا الناشئة والأجيال المقبلة من ويلات الحرب، ومن يدري ربما تكون الحرب الحالية
في غزة هي بداية الطريق لصحوة الشعوب والقضية الفلسطينية هي روح الروح وموحدة
الشعوب لإحلال السلام بالعالم.
سعيد بحاجين
دكتور في دراسات السلام الدولية والنزاعات والتنمية، وباحث في كرسي اليونسكو لفلسفة السلام باسبانيا.